أكتوبر يمضي بلا مطر، بلا قطرة غيث تعيد اللعاب الذي تبخر إلى حلقومه الجاف.. الساقية الظمآنة صارت طريقا تهاوت جنباتها حتى كادت تستوي بالأرض وتصبح مسلكا جديدا بين الحقول المحتضرة.. الشجر الكثيف يحمل بحزن ثقل غبار القحط عوضا عن حبات زيتون أو ما تيسر من الثمار..
وقف حائرا ينفض غبارا حارا عن سرواله وعينه على السماء، السماء التي ارتفعت وازدادت علوا وبُعدا عن الأرض.. لا غيوم سوداء بعد!
صحيح هناك أمل، لكن الأمل طاقة، والطاقة تنفذ مع الأيام. الأمر لا يحتاج مجرد عاصفة رعدية؛ الأمر يحتاج معجزة، وزمن المعجزات قد ولى ومضى..
- أستاذ؛ هل سنخسر كل هذه الأشجار بسبب موت منبع الماء؟
- لا عليك بنيتي، ستربحون الكثير من الحطب على كل حال
- ولكن...
- ولكن سيرحمنا الله ويرحمكم
ينطق طفل آخر من تحت جذع شجرة شبه ميتة في ساحة المدرسة:
- وإذا لم يفعل؟!
- بالتأكيد سيفعل، مادامت السماء من فوقكم لم ترحل إلى أي مكان فإنها ستمطر يوما وسيعود المنبع إلى الحياة وسيغرس نادي البيئة رقعته من جديد...
"أن تغرس الأمل أصعب من أن تغرس غابة كاملة"!
حتى الكلب الذي كان يأتي طمعا في خبز التلاميذ، صار يأتي لاهثا بحثا عن تسربات مياه المرحاض، نسي الخبز ولم يعد يطلب غير قطرة ماء، غير ندى أو تربة مبللة...
من كان يتخيل ذلك؟ لا أحد!
رفعت المياه وجفت المنابع! وصار الدعاء الوحيد على الألسنة: اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
وأكاد أسمع هذه الأشجار الكثيفة الممتدة وهذا الجبل الصلب وكل كائن ينبض فيه عرق يرددون جميعا:
- آمين يا أرحم الراحمين.
بقلم الأستاذ:علي العسري
تعليقات
إرسال تعليق
يمكنكم طرح سؤالكم وملاحظاتكم هنا،سنجيب عنها في أقرب وقت،شكرا